بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، مازلنا في تربية الأولاد في الإسلام ولازلنا في الوسائل الفعالة التي تعد القسم الثاني من هذه السلسلة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها وينفع المسلمين بها .
Text Box: الفرق بين التطرف والتفوق :
موضوع الدرس اليوم تشويق الطفل أو المتعلم إلى أشرف الكسب ، لا بد من مقدمة أبين فيها أن هناك تطرفاً وأن هناك تفوقاً ، فالتفوق يعني أن تتحرك في الخطوط الأساسية معاً ؛ فأنت عقل يدرك والعقل يحتاج إلى غذاء ، وأنت قلب يحب والقلب يحب وأنت تحتاج إلى محبوب ، وجسم يتحرك والجسم يحتاج إلى غذاء وإلى رياضة وما إلى ذلك .
حينما تعتني بعقلك تغذيه بالعلم والحقائق والعقيدة الصحيحة والتصور الصحيح ، وحينما تعتني بقلبك تختار له محبوباً لا يفنى ولا يزول وهو الله عز وجل ، وحينما تعتني بجسمك تجعله قوام حياتك وتجعله أداة عملك الصالح فتتفوق ، أما إذا نما العقل على حساب القلب ، أو نما القلب على حساب العقل ، أو نما الجسم على حساب القلب والعقل معاً ، فهذا اسمه تطرف ، التطرف شيء والتفوق شيء آخر .
هناك دعوات إلى الله عز وجل ، يهتمون أن يمتلئ عقل طالب العلم بالمعلومات ، أما كسب حرفته ؟ كيف يؤمِّن حياته ؟ كيف يكسب رزقه ؟ كيف يبني أسرته ؟ هذا لا يهمهم ، فلذلك الإنسان حينما يمتلئ عقله بالحقائق ويغفل عن كسب الرزق يختل توازنه .
أقول لكم هذه الحقيقة وأرجو من الله أن تكون واضحةً لديكم يوجد بحياتك مرتكزات ثلاثة ؛ علاقتك بالله ، وعلاقتك بعملك ، وعلاقتك بجسمك ، أي خلل في أحد هذه المرتكزات ينعكس خللاً على المرتكزين الباقيين شئت أم أبيت ، إنسان بلا دخل راقٍ جداً ، إيمانه قوي جداً لكنه جائع ، لكنه لا يجد ما يستر عورته ، أصبح عالةً على الناس ، أصبح متذللاً لهم :
(( من دخل على غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه .))
[الخطيب عن ابن مسعود]
اكسب رزقك حلالاً وارفع رأسك يا أخي ، لماذا الكسل ؟ لماذا لا تعمل ؟ مهما يكن إيمانك كبيراً إن لم يكن لديك عمل تحفظ به ماء وجهك فأنت لا بد من أن تضع نفسك في موضوع مذلة وإهانة شئت أم أبيت ، فعملك أحد مقومات شخصيتك ، وعلاقتك بالله الطيبة أحد مقومات شخصيتك ، وعلاقتك بجسمك ، جسم عليل فيه إهمال شديد في قواعد الصحة وقواعد الغذاء ، دائماً تميل إلى الراحة ، إلى النوم ، دائماً تسوف ، تؤجل ، هذا الجسم العليل لا يمكن أن يحمل قضية ولا أن ينهض برسالة ، فلذلك التطرف أن ينمو جانب على حساب جانب ، والتفوق أن تغذي الجوانب الثلاثة تغذية جيدة معقولة فتتفوق .
Text Box: المربي الصادق هو الذي يضع في نفوس الذين يربيهم رغبة الكسب الحلال :
الآن لفت نظري أن معهداً شرعياً في بلد إسلامي مؤلف من عشرة طوابق ، قيل أن الطوابق الثلاثة الأولى لتعليم طلاب العلم حرفاً راقيةً يحفظون بها ماء وجوههم ، في توازن ، تعلم طالب علم ليس له دخل أبداً ، فدون أن يشعر بعقله الباطن ينافق للأغنياء ، ويمدح الأغنياء ، ويستجدي منهم العطاء ، أين ماء وجهه ؟ أين كرامة العلم وعزته ؟ فهذا المعهد لفت نظري أن فيه طوابق ثلاثة لتعليم طلاب العلم حرفاً يحفظون بها ماء وجوههم .
أخواننا الكرام هذا درس في التربية ، يجب أن تربي ابنك على كسب الرزق ، أن يكون له عمل يرفع رأسه ، يكون له عمل يجعل يده هي العليا ، يكون له عمل يستغني عن أن يتضعضع أمام غني ، وأن يستذل أمامه ، وأن يخنع .
لذلك أيها الأخوة درس اليوم متعلق أن المربي الموفق ، والمعلم الموفق ، والمرشد الموفق هو الذي يبني نفوس الذين يعلمهم تربيةً متوازنة ، يعني لا بد من أن تكون دنياك صالحة لأنه فيها معاشك ، دققوا في هذا الدعاء : " اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ."
إنسان له دخل ـ أنا أتحدث عن الحد الأدنى ـ يسكن في مأوى صغير ، له زوجة ، حقق مقومات الحياة ، لا يهم مستوى طعامه لكنه يأكل ، لا يهم مستوى ثيابه ، لا يهم مستوى بيته سواء أكان بعيداً أم قريباً ، جيداً أو غير جيد ، واسعاً ، صغيراً ، هذا بيت ، مأوى ، أنا من باب الدعابة أقول له : معك مفتاح بيت عالٍ ، قبو ، أرضي ، ملك ، أجرة ، كبير ، صغير ، معك مأوى : " الحمد لله الذي آواني وكم ممن لا مأوى له " ، عندك قوت يومك ؟ طعام خشن لكن طعام يملأ المعدة ، ويقيم الأود ، عندك ثوب تلبسه انتهى الأمر ، فكلما حققت الشروط الأساسية تفرغت إلى الله عز وجل ، فالمربي الصادق هو الذي يضع في نفوس الذين يربيهم رغبة الكسب الحلال ، النبي عليه الصلاة والسلام أمسك يد ابن مسعود وكانت خشنة من العمل رفعها وقال : هذه اليد يحبها الله ورسوله .
الآن سأسمعكم بعض النصوص القرآنية والنبوية التي تحض على العمل ، أنا لا أقول لكم إنني أُكْبر الذين لهم أعمال إلا من زاوية واحدة أنهم رفعوا اسم المسلمين ، يعني مثلاً أجد مسلماً ملتزماً ، قائماً بالعبادات ، وقّافاً عند حدود الله ، وصناعياً كبيراً ، أجد مسلماً آخر متفوقاً في اختصاصه ، طبيباً لامعاً ، مهندساً متفوقاً ، فرضاً مدرس أول ، هذا الإنسان إذا تفوق في عمله أولاً حفظ ماء وجهه ، ثانياً أعطى ولم يأخذ ، ثالثاً اتسعت أمامه أبواب الخير .
Text Box: في الحياة ثلاث قوى :
أخواننا بشكل دقيق يوجد ثلاث قوى في الحياة ؛ قوة العلم ، وقوة المال ، وقوة المنصب ، هؤلاء الأقوياء الثلاثة سواء بعلمهم أو بمنصبهم أو بمالهم هؤلاء فرص العمل الصالح أمامهم كبيرة جداً ، لماذا أنت في الدنيا ؟ من أجل أن تعمل صالحاً ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .))
[مسلم عن أبي هريرة]
المؤمن الغني الذي بإمكانه أن يحل مشكلات مئات المؤمنين ، هذا حجمه عند الله أكبر ، كَسب المال الحلال وكفى أهله ، دققوا في هذا الكلام والله لا أبالغ حرفتك التي ترتزق منها إن كانت في الأصل مشروعةً ، وسلكت بها الطرق المشروعة ، لا كذب ، ولا تدليس ، ولا غش ، ولا احتكار ، ولا إيهام ، ولا أي شيء آخر ، سلكت بحرفتك الطرق المشروعة ، ما غششت ، ولا حابيت ، ولا كذبت ، مشروعة ، والتحرك من خلالها مشروع ، ونويت كفاية نفسك وأهلك ، ونويت خدمة المسلمين ، عندك ابن يحتاج إلى معطف في الشتاء وليس معك نقود يحترق قلبك ، لكن معك ثمن معطف ، معك ثمن طعام ، معك ثمن كساء ، معك ثمن تدفئة ، فهذا الطفل نشأ في رعاية أبيه ، التصق بأبيه لأن أباه أمَّن له حاجاته .
أيها الأخوة كلام دقيق أقوله ، أنت حينما تعمل وحينما تجهد لتأمين حاجات أسرتك أنت في جهاد ، لذلك حرفتك التي ترتزق منها إن كانت في الأصل مشروعة ، وسلكت بها الطرق المشروعة ، ونويت بها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين ، ولم تشغلك عن مجلس علم ، ولا عن فريضة ، ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة ، وأنت في حرفتك تعبد الله ، والحياة تحتاج إلى مال ، وإلى علم ، وإلى قوة ، فلذلك إذا كنت أباً ، أو إذا كنت معلماً ، أو إذا كنت مرشداً ينبغي أن تحض طلابك على أن يكسبوا أرزاقهم بعزة نفس ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( ابتغوا الحوائج بعزة النفس فإن الأمور تجري بالمقادير . ))
[تمام وابن عساكر عن عبد الله بن بسر المازني]
Text Box: في هذا العصر إن لم تتفوق في دنياك لا يُحتَرم دينك :
كنت أقول وهذا مثل دقيق أن هذه التفاحة في الغصن الرابع ، في الفرع الأول ، في الشجرة الخامسة ، في البستان الفلاني ، في المنطقة الفلانية هي لفلان ، يمكن أن يأكلها ـ لا سمح الله ولا قدر ـ سرقةً ، ويمكن أن يأكلها تسولاً ، ويمكن أن يأكلها ضيافةً ، ويمكن أن يأكلها شراءً ، يمكن أن يأكلها هديةً ، طريقة انتقال رزقك إليك باختيارك ، أما التفاحة فهي لك لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب .))
[ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود]
اختر حرفة راقية ، أنا حينما أتوجه إلى شاب في مقتبل حياته أقول له : اهتم بصحتك ، واهتم بحرفتك ، واهتم بدينك ، أشياء ثلاثة تقوم عليها حياتك ، أما إذا اعتنيت بجهة على حساب جهة عرجت ، وأي خلل في بعض الجهات ينعكس على الجهتين الثانيتين .
الآن إلى النصوص ، درس اليوم أيها المعلم وأيها الأب وأيها المرشد في المسجد يجب أن تحض أخوانك أو طلابك على الكسب الحلال ، أنا أقول لكم هذه الكلمة ولا تطالبوني بالدليل : الآن في هذا العصر إن لم تتفوق في دنياك لا يُحتَرم دينك ، جراح الأعصاب الأول بينما المريض مضطجع في غرفة العمليات ـ وهذا الجراح الأول الذي أجرى عشرات ألوف العمليات الناجحة في الدماغ ـ يصلي ركعتين ويسجد أمام المريض ، ويقول : يا رب وفقني لإنجاح هذه العملية ، أول طبيب ، وأول مهندس ، وأول معلم ، أنت حينما تستعين بالله تمتلك قوى غير محدودة ، وأنا أقول دائماً : إما أن تقول الله فيتولاك ، وإما أن تقول أنا فيتخلى الله عنك ، لا تقل : أنا ، حتى في العبادة ، قال تعالى :
(سورة الفاتحة)
وقال :
(سورة يوسف)
استعن بطاعة الله ، استعن بالله على طاعة الله ، عوِّد نفسك أن تستعين بالله في عملك .
Text Box: من يطلب العلم يتكفل الله له برزقه :
والله أخ زارني البارحة يتكلم كلاماً لفت نظري ، قال لي : أنا أعمل بالتجارة ، ولي محل تجاري ، وعملي أصبح رتيباً ، نفتح المحل صباحاً ، نبيع ، نشتري ، للساعة السابعة نأتي إلى البيت نأكل وننام ، أنا لماذا مخلوق ؟ أخذ قراراً أن يطلب العلم ، والتزم بمسجد ، التزم بجامعة ، قال لي : سبحان الله قسمت اليوم إلى نصفين ؛ من الصباح وحتى الرابعة للدنيا ، ومن الرابعة حتى ساعة متأخرة من الليل لطلب العلم ، أقسم لي ـ وهو صادق ـ أن غلته تضاعفت ، قال لي : كنت أملك دراجةً أما الآن فأنا أملك سيارةً ، وبحسب حركة الحياة يجب أن ينخفض الدخل إلى النصف ، ولكن وكما ورد في بعض الأحاديث أنه :
(( من طلب العلم تكفل الله له برزقه .))
[الخطيب والديلمي وابن عساكر عن زياد بن الحارث الصدائي]
أخواننا الكرام دققوا ، أنت تأتي من بيتك ، وقد يكون بيتك في الغوطة ، أي الطريق من الغوطة إلى هذا المسجد ساعة ، وساعة للعودة ، وساعة للدرس ، ثلاث ساعات اقتطعتها من وقت فراغك ، من وقت راحتك ، كان من الممكن أن تكون في البيت بين أهلك جالساً على كنبة وثيرة بمكان مريح ، وأهلك حولك ، وأولادك حولك ، لكن آثرت أن تطلب العلم :
(( ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة .))
[الترمذي عن أبي هريرة]
عندما تتوجه إلى بيت من بيوت الله لتطلب العلم هذا الطريق يوصلك إلى الجنة :
(( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع .))
[أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن أبي الدرداء]
أنت حينما تطلب العلم ـ والذي يطمئنك هو رسول الله ـ تكفل الله لك برزقك ، أي يلهمك عملاً مريحاً ومعقولاً ومجزياً .
Text Box: سوء فهم المسلمين جعلهم في الحضيض :
درس اليوم يجب أن تحض أخوانك إن كنت مرشداً ، وأن تحض أولادك إن كنت أباً ، وأن تحض تلاميذك إن كنت معلماً على أن يتقنوا حرفتهم ، والله الفضائل التي تتأتى من إتقان حرفة لا تعد ولا تحصى ، أولاً امتلأ وقتك الذي كان من الممكن لا سمح الله ولا قدر أن يمتلئ بالغفلة عن الله ، شيء آخر النجاح بالعمل مريح جداً ، والنجاح يقود إلى النجاح ، ولا شيء يعين على النجاح كالنجاح ، ونجاح الإنسان بعمله إنجاز كبير ، أولاً كوَّن شخصية ، ثانياً أصبح محترماً ، ثالثاً يده هي العليا ، رابعاً حفظ ماء وجهه ، خامساً شد أولاده إليه وربطهم به ، فالأب الذي يعمل وله دخل معقول وينفق على أولاده وزوجته أب محترم ، وكلمته نافذة ، ومحبوب ، أما الأب الذي يقول دائماً : ليس معي نقود ، عندما يسأل ابنه : أين كنت ؟ يقول له الابن : في أي مكان أشاء ، لا يكلمه ، الابن يصبح متفلتاً .
إذا أنت ما عندك إمكان أن تغطي حاجات الأسرة المعقولة ، أنا لا أقول غير المعقولة ، مثلاً بحاجة إلى لباس ، إلى طعام ، إلى شراب ، هذه الأشياء بحاجة إلى مال ، والمال بحاجة إلى عمل ، فحينما تعمل من أجل أن تشد أهلك إلى الله ، وأن تربطهم بك ارتباطاً وثيقاً فأنت في عبادة ، لا نريد مسلماً بمهن يزدريها الناس ، النبي الكريم صلى الله عليه وسلم طلب النخبة ، قال : " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين " ، ما الذي يمنع أن يكون مسلم في المسجد صناعياً ؟ تاجراً لامعاً صالحاً يتقي الله ، والتاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة ، ما الذي يمنع أن تكون أستاذاً متخصصاً باختصاص نادر ، مهندساً بارعاً ، طبيباً حاذقاً مثلاً ، لماذا ترضى أن تكون في الدرجة السفلى ؟ لماذا هذه الدونية ؟ لماذا هذا الموقف الضعيف ؟ لماذا أعداء الله في القمم قوةً وعلماً وجامعاتٍ وسيطرةً ؟ لماذا نحن في الحضيض؟ هذا سوء فهم للمسلمين .
Text Box: بعض أمراض المسلمين :
سيدنا عمر سأل أناساً شاردين : " من أنتم ؟ " قالوا : " نحن المتوكلون على الله " قال : " كذبتم ، المتوكل على الله من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله " .
" لِمَ جملك أجرب يا أخا العرب ، ماذا عملت من أجله ؟ " قال : " أدعو الله أن يشفيه " ، قال : " هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ".
أخواننا الكرام شيء يدمى له القلب ، في الحضيض ، هذا الكلام لمليار ومئتي مليون مسلم ـ والله شيء مؤلم ـ ليس أمرهم بيدهم ، وليست كلمتهم هي العليا ، وللكفار عليهم ألف سبيل وسبيل ، وهان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، تسمعون وترون لا تحتاجون إلى أدلة أكثر من ذلك ، لأننا قعدنا ، وتواكلنا ، وتنازعنا ، وتنافسنا ، وكان بأسنا بيننا ، هذه أمراض المسلمين .
أيها المعلم ، أيها المرشد ، أيها الأب يجب أن تخطط لأولادك أعمالاً تحفظ لهم ماء وجوههم ، أن توفر لهم أعمالاً ترفع ذكرهم في المجتمع ، ذات مرة كنت أودع قريباً لي في المطار ، فقال : هذا الطيار ابني ، نظرت فشاهدت طائرة أكبر قياس ( جامبو ) ، متوجهة إلى الخليج في الليل ، وشاب صغير وزنه خمسة وثلاثون كيلو سوف يقلع ليلاً بالطائرة ، كم ينطوي على علم ؟ طائرة عملاقة ، وأربعمئة راكب ، وبالليل سوف يصعد على المدرج ، ويحلق ، ويمشي على خطوط ، العلم شيء ثمين جداً ، لماذا ترضى أن تكون هملاً من سَقْطِ المتاع ؟ لمَ لا تكون علماً في الدنيا ؟ لمَ لا تكون علماً في الدين ؟ مالك شركة (مايكروسوفت) يدفع ثمانية مليارات لأطفال أفريقيا ، أنى له أن يدفع هذا المبلغ ؟! الله أعلم بنيته ، أنى له أن يدفع هذا المبلغ الضخم من أجل صحة أولاد أفريقيا المعذبين ؟ حينما تكون ناجحاً في عملك تنفق ، أنت كمسلم أولى بك أن تفعل هذا .
Text Box: أعمال بعض الأنبياء كما وردت في القرآن الكريم :
الأنبياء العظام وهم قمم البشر عملوا أعمالاً حرة قال تعالى :
(سورة هود)
اصنع الفلك ، نحن كل حاجاتنا مستوردة :
(سورة هود)
وقال :
(سورة هود)
سيدنا داود قال تعالى :
(سورة الأنبياء)
وقال أيضاً :
(سورة سبأ)
سيدنا موسى :
(سورة القصص)
نبي كريم كان يرعى الغنم :
(( مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ )) .
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
هذا سيد الخلق وحبيب الحق والذي أنقذ البشرية كان يعمل راعياً لغنم ، أنا لا أعتقد أنه يوجد الآن عملاً أقل شأناً من راعي غنم ، هل يوجد إنسان يكتب على بطاقة راعي غنم ؟ يكون دكتور ومعه بورد ، ما هذه راعي غنم ؟ سيد الخلق وحبيب الحق كان راعي غنم فالعمل شرف يا أخوان .
Text Box: أفضل الكسب عمل الرجل بيده :
مرة زرت مركز صيانة سيارات ، رأيت أخاً يرتدي ثياباً زرقاء يتقن عمله ، مساءً هو يُدَرِّس القرآن الكريم فيرتدي ثياباً أنيقة ، والله لفت نظري ، هذا العمل يحتاج إلى هذه الثياب ، بعد الظهر مدرِّس في معهد يرتدي ثياباً أنيقة ، ويدرِّس القرآن الكريم ، ما الذي يمنع أن يكون لك عمل تقتات منه ، وترفع رأسك ، وتجعل يدك هي العليا ، وتحفظ ماء وجهك ، ولا تتضعضع أمام أحد ؟ سبحان الله ، الصحابة كان أحدهم يقول : تعال يا أخي خذ نصف مالي ، عندي بيتان خذ أحدهما ، عندي حانوتان خذ أحدهما ، الرد : بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق .
الآن إذا أُعطيت ميزة إلى الفقراء يأخذها الأغنياء ، إذا في تسهيلات طبية من ينتفع منها بالدرجة الأولى ؟ الأغنياء ، بينما كان الصحابة بأعلى درجة من البذل ، وبأعلى درجة من التعفف في وقت واحد .
النبي عليه الصلاة والسلام أول شريك مضارب في الإسلام تاجر بمال السيدة خديجة على حصة له من الربح ، شريك مضارب ، كان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إن أفضل الكسب عمل الرجل بيده )) .
[الطبراني عن أبى بردة بن نيار]
مرة كنت في محل تصليح سيارات ، أصلحه الله صاحب المحل ، يريد أن يضع من قيمة أخ يعمل عنده ويحمل ليسانس ، فلان معه ليسانس وعنده ، قلت له : أليس فلان يحمل ليسانس ويعمل عندك ، نبي كريم كان يأكل من عمل يده وهذا شرف ، هذا شرف عند أهل الشرف ، نبي كريم كان يأكل من عمل يده :
(( نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )) .
[البخاري عن أبي هريرة]
(( إن أفضل الكسب عمل الرجل بيده )) .
[الطبراني عن أبى بردة بن نيار]
(( إن الله يحب العبد المحترف )) .
[ابن أبي الدنيا عن ابن عباس]
Text Box: العمل شرف وعبادة :
أجدادنا لهم كلمة شهيرة : "صنعة في اليد أمان من الفقر ".
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ )) .
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
اذهب واحتطب ، بل إن الكسب الحلال فريضة بعد الفريضة ، أنا أدعوك أن تتقن عملك ، في أيام الرواج مهما كان العمل غير متقن فهناك بيع ، أين المشكلة ؟ المشكلة في أيام الكساد ، المتقن لا يقف أبداً ، الذي يتقن عمله لا يقف عن العمل أبداً مهما كان الكساد مستشرياً ، أما في أيام الرواج كل شيء يباع ، إذا أتقنت عملك إتقاناً دقيقاً ضمنت دوام العمل، سيدنا عمر رضي الله عنه يقول : " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق " ، ويقول : " اللهم ارزقني ـ وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ـ ويا معشر الفقراء استبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالاً على المسلمين " .
أنت في عملك ، وأنت في دكانك ، وأنت في مكتبك ، وأنت في عيادتك ، وأنت تعمل عملاً يومياً ، تبيع أشياء على الرصيف ، أنت في شرف وفي عبادة لأنك تبتغي من هذا كسب الرزق الحلال ، وكفاية أهلك ونفسك ، وهذا عبادة ، كان الشافعي يقول : " لنقل الصخر من قمم الجبال أحب إلي من منن الرجال ، يقول الناس : كسب فيه عار ، فقلت : العار في ذل السؤال ".
ألم يقل سيدنا علي : " وَالله والله مرتين لحفر بئرين بإبرتين ونقل بحرين بمنخلين وكنس أرض الحجاز بريشتين وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين " .
هل من الممكن أن تغسل إنساناً أسود حتى يصبح أبيض ؟ هذا مستحيل ، هل من الممكن أن تنقل بحراً بمنخل ؟ هل من الممكن أن تكنس أرض الحجاز بريشة ؟ مستحيل ، هل من الممكن أن تحفر بئراً بإبرة ؟!!
Text Box: على المؤمن أن يطلب الحلال بعزة الأنفس :
أيها الأخوة ، الذي أتمناه عليكم إن كنتم آباء أو معلمين أو دعاة إلى الله أن تحضوا من تعلمونهم على الكسب الحلال ، وعلى العزة ، وعلى طلب الحوائج بعزة الأنفس ، وأن تبلغوهم أنه لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، وما من إنسان يسأل الله من فضله إلا استجاب له إن عاجلاً أو آجلاً .
مرة زارني أخ متقدم بالسن في التسعين من العمر ، فقدمت له ضيافة ، أول لقمة دعا دعاء والله أعرفه ، لكن أصابتني هزة نفسية ، قال : سبحان من قسم لنا هذا ولا ينسى من فضله أحداً . والله دمعت عيني ، لا ينسى من فضله أحداً ، أنت عبد لك حق عليه ، لكن ابتغِ الحوائج بعزة الأنفس ، اطرق البيوت من أبوابها ، لا تستعجل طلب الرزق ، من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، فكن هادئاً ، لا ينسى الله من فضله أحداً ، اعمل تسكن في بيت وتتزوج ويأتيك الأولاد ، كن مع الله ، عبدي كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد .
هذا الدرس أتمنى على كل واحد منكم أن يستوعبه شاباً كان أو أباً أو داعيةً إلى الله ، ابنِ نفوس أخوانك على الكسب الحلال .
حدثني أخ ، إنسان له درس بجامع في الغوطة ، هو عنده بقالية ، صادق لدرجة غير معقولة ، لو قال له إنسان : هذه الحاجة طازجة ؟ قال : لا ، والله من ثلاثة أيام ، أما جاري عنده طازج ، لا يكذب أبداً ، قوة تأثيره في الدرس عجيبة ، قوة تأثيره من استقامته .
أرجو الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا ، طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ، مفروض عليك أن تصلي ، ومفروض عليك أن تطلب الحلال وبعزة الأنفس ، واختر حرفة راقية ترضي الله عز وجل ، إياك ثم إياك ثم إياك أن يكون عملك في معصية ، ماذا تعمل ؟ أبيع أشرطة تسجيل ، ما نوعها ؟ أغانٍ كلها ، هذا عمله ، وهذا يصلح تلفزيونات وهذا ... انظر إلى عملك هل فيه معاونة على فسق ، على معصية ، قال تعالى :
(سورة المائدة)
والله مرة جاءني اتصال من بلد بعيد جداً قال لي : أنا يا أستاذ عملي أقذر عمل ـ أخذ رقم هاتفي من أخيه من أمريكا من لوس أنجلس ـ ماذا عملك ؟ قال : والله أستحي أن أقول لك ، قال : مونتاج للأفلام الإباحية ، قلت له : الله يعطيك العافية ، قال لي : سمعت شريطاً لك ، سمعته خمسين مرة وتبت ، والآن أعمل عملاً شريفاً ، قلت له : أي شريط بعد أن التقيت به في واشنطن ، وأية آية ؟ قال : إن بطش ربك لشديد ، خاف .
Text Box: الحلال صعب والحرام سهل :
أنت أولاً ابحث عن عمل ، عمل بخمسة آلاف مشروع ، عمل بخمسين ألفاً غير مشروع ، اركله بقدمك لأن الخمسة آلاف يبارك الله لك فيها والخمسون ألفاً تخسرها وتخسر دينك وآخرتك ، سبحان الله لحكمة بالغة الحلال صعب والحرام سهل ، يعني أبسط مثال : تعمل إنسانة في بيت ثماني ساعات بثلاثمئة ليرة ، هذه الثلاثمئة ليرة تأخذهم مومس بخمس دقائق ، تنقل كيلو حشيش تأخذ عليه مئة ألف ليرة ، تشتغل سنة بمئة ألف ليلاً ونهاراً وتحصيلاً وبيعاً ، لكن لحكمة بالغة العمل الحلال صعب ودخله قليل والحرام سهل ودخله كبير لماذا ؟ لو كان الحلال سهلاً لأقبل الناس على الحلال ، لا حباً بالله ، ولا طلباً للآخرة ، ولكن لأنه أهون ، لأن الحلال صعب والإنسان يخاف من الله ، فاختر عملاً حلالاً ، صعباً ، شاقاً ، متعباً ، بدخل قليل ، لكنك تنام قرير العين ، تنام مالك الدنيا ، تنام والله راض عنك ، ابحث عن عمل مشروع .
هناك أعمال أساسها إيذاء الناس ، أو إلقاء الرعب في قلوبهم ، أو ابتزاز أموالهم ، أو إفساد أخلاقهم ، وما أكثرها ، وهذه أروج الأعمال الآن .
حدثني أخ اشتغل بمقصف فيه خمور ومغنون وراقصات قال : ثمانية ملايين ربح بخمسة وأربعين يوماً .
تبني عملك على إفساد الأخلاق ، العمل رائج جداً ، الآن تبني عملك على تهريب مادة محرمة كالمخدرات بالمليارات ، أساساً أغنى الأشخاص في العالم تجار المخدرات .
أنا أضرب مثلاً لكن الحقيقة فيه مفارقة كبيرة ، مطعم بقرية في حمص ، كم نجمة هذا ؟ ولا نجمة ، دخله لا يكفي صاحب المطعم خمسة أيام ، لكن لو فرضنا صاحب المطعم صائم ، مصلٍّ ، ورع ، مستقيم ، قائم بعباداته ، عقيدته سليمة ، الآن مطعم خمس نجوم يبيع الخمر غلته في اليوم مليون ليرة أحياناً ، خمسمئة ألف ، ثمانمئة ألف ، من أربح ؟ بالدنيا هذا أربح ، لكن عندما يأتي الموت يكون صاحب المطعم في حمص أذكى بكثير ، لأنه في طاعة الله ، أنت لا يهمك حجم العمل ، العمل يكون في طاعة الله ، التعليم أشرف مهنة ، ما في عمل أشرف منه ، وما في عمل دخله أقل من دخله ، ماذا تأخذ ؟ طبشورة تضعها في جيبك ؟ لا شيء في تعليم صغار .
دائماً ابحث عن عمل تسمو نفسك به ، الله يبارك لك في صحتك ورزقك وشبابك وأهلك ، وهناك أعمال دخلها كبير جداً اركلها بقدمك ولا تعبأ بها أبداً .
والحمد لله رب العالمين