بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام مع الدرس الثامن والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، وسنتابع الآداب التي أدّب بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه ، والآداب اليوم هي أدب العطاس والتثاؤب .
Text Box: للأدب طريقان طريقٌ تعلُّمي وطريقٌ ذوقي :
أريد أن أبيّن هذه الحقيقة وقد ذكرتها من قبل ولكن في إعادتها فائدة كبرى ، الأدب له طريقان ، طريقٌ تعلُّمي ، وطريقٌ ذوقي ، فكلّ إنسان اتصل بالله عزَّ وجلَّ ومن خلال هذه الصلة يكافئه ربنا بأن يمنحه خلقاً حسناً ، فالأخلاق الأصيلة الحقيقيّة التي يمكن أن تكون سبباً في سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة هي أخلاقٌ مكتسبة من الله عزَّ وجلَّ ، هذه الأخلاق لا علاقة لها إطلاقاً بالأخلاق التجاريّة .
الأذكياء دائماً وبحكم ذكائهم يسلكون سلوكاً مقبولاً محموداً لينتزعوا إعجاب الناس وليحققوا مصالحهم .
أي أنّ الشيء الذي تسمعونه أحياناً : فلان يفعل هذا من أجل الانتخابات ، ليس عنده رغبة في الإصلاح ، ولا في السلام مثلاً ، ولكن من أجل الانتخابات يفعل هذا ، معنى ذلك أنّ الأفعال البشريّة من الأشخاص الذين لا يعرفون الله سبحانه وتعالى أفعال معلولة بالمصالح ، وهذه الأخلاق تتفوق أوروبا بها كثيراً ، تتحدّث عن حقوق الإنسان وهي أكبر جهة في الأرض تنتهك حقوق الإنسان ، تراعي حقوق الحيوان وهي تهضم حقوق الشعوب .
الإنسان أحياناً بذكائه يتصرَّف تصرُّفاً محموداً ومقبولاً ، هذا التصرُّف أيها الأخوة لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، هذا التصرُّف أساسه الذكاء ، وهدفه المصلحة ، إما الإعجاب المعنوي كانتزاع إعجاب الآخرين ، وإما المصالح الماديّة ، وهذا خارج نطاق دروسنا كلّها ، فالأذكياء دائماً لهم تصرُّفات مقبولة في انتزاع إعجاب الآخرين وهي ليست عبادة وليس هذا من الدين ، الأخلاق الأصيلة التي تسعد صاحبها إلى الأبد أخلاقٌ اشتُقَّت من اتصال العبد بربّه هذه واحدة .
هناك أسلوب ذوقي أساسه الصلاة ، وإذا كان الذوق العام ضعيفاً ، والاتصال ضعيف تأتي هذه الدروس لنذكر فيها ما فعله النبي وما لم يفعله ، وهذا أسلوب تعليمي أساسه التبيين ، كان النبي إذا عطس مثلاً فعل كذا ، أو إذا رأى من أصحابه شيئاً قال : كذا ، هذا أسلوب تعليمي بياني ، وهناك أسلوب إشراقي .
Text Box: الكمال نوعان كمال إشراقي وكمال بياني :
يمكن لك أن تتأدّب بآداب الإسلام مرّتين ، مرّةً باتصالك بالله عزَّ وجلَّ ، وعندي في ذلك شواهد كثيرة ، فأحياناً تجد إنساناً موصولاً بالله يوضع في ظرف معيّن فيتصرّف وفق الحكم الشرعي وهو لا يعلم الحكم الشرعي أصلاً ، وأنا أعلم علم اليقين أنّه لا يعلم الحكم الشرعي لكنّ الكمال الذي اشتقّه من الله عزَّ وجلَّ أملى عليه أن يفعل كذا وكذا ، ولا مجال لذكر كثير من الشواهد في ذلك .
الآداب إما انضباط ذاتي ، أو انضباط خارجي ، فالإنسان بوعيه يقول : هذه لا يجوز فعلها ولا أفعلها ، وهذه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وهذا شيء جيّد أيضاً ، فقد تلقيت دروساً في العلم وعرفت سلوك النبيّ الكريم ، والأسلوب الصحيح الكامل ، وبوعيك انضبطت ، لكن لو اتصلت بالله عزَّ وجلَّ تشتقُّ من الله الكمال ، وهذا الكمال هو الكمال الإشراقي .
هناك كمال بياني أساسه التعلُّم والتعليم والتذكُّر والوعي والسيطرة على الذات ، وهناك كما ذكرنا كمال إشراقي ، لكن المواقف التي تعجب الناس أحياناً من الأجانب والكفّار ، وهذه بالتأكيد لا علاقة لها إطلاقاً بالدين ، قضيّة ماديّة إما لهدف انتزاع إعجاب الآخرين ، أو لهدف آخر هو تحقيق مصالح معيَّنة ، والدليل على ذلك هذا الذي يتخلّق بأخلاق أساسُها الذكاء وحينما تضرب مصالحه ينقلب إلى وحش ، فكلّ نعومته تختفي ، وقد ذكرت هذا في خطبة الجمعة الماضية .
بدأت الخطبة هكذا ، الإنسان له حاجات أساسيّة ، فعنده حاجةٌ إلى الحب وهي حاجة أساسيّة أن تُحِب وأن تُحَب ويستوي في ذلك كلّ الناس ولو كانوا غير مؤمنين ، وعندك حاجة إلى التقدير ، أن يقدِّرك الناس ، وعندك حاجة إلى الأُنس ؛ تأنس بالمجتمع ، وعندك حاجة إلى التقوّي بالآخرين والاحتماء بهم ، وعندك حاجة إلى الأمن ، فهذه كلّها حاجات اجتماعيّة ، وعندك حاجة إلى اقتباس أفكار الآخرين ومنجزاتهم ومعارفهم .
مجموع هذه الحاجات الحب ، والتقدير ، والأُنس ، والأمن ، والتقوّي ، والاستنصار ، واقتباس المعارف والعلوم والمكتسبات ، كل هذه الحاجات وبمجموعها تولّد الدافع الاجتماعي .
Text Box: الدافع الاجتماعي في الإسلام أساسه العبادة والتقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بخدمة خلقه :
الإنسان بفطرته يميل إلى المجتمع ، إلى أن ينخرط فيه ، وأن يندمج مع المجتمع ، ويميل إلى الالتقاء مع الناس ، وفي الوقت نفسه هناك دافعٌ فرديّ ، ونزعةٌ انعزاليّة .
لو أنّ هناك دافعاً اجتماعياً وآخر فردياً ، واصطدم الدافع الاجتماعي بالمصالح الشخصيّة فتجد الإنسان المقطوع عن الله الذي لا يعرف الله يركل بقدمه كل دوافعه الاجتماعيّة ويغتصب هذا الشيء ليحقق مصلحته ، فيأخذ بيتاً ليس له ، فأين سمعته ؟!! فقد أعارك البيت يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين ومن غير أن تدفع له إيجاره فسكنت فيه ثماني سنوات ، وقلت لصاحبه بعد ذلك : هذه المحاكم أمامك ؟ فأين هي سمعتك وخوفك على مكانتك ؟!! فعندما تحققت المصلحة الماديّة ركل سمعته الاجتماعيّة بقدمه ، هذا هو الإنسان قبل أن يعرف الله .
لكن ماذا فعل الإسلام ؟ الإسلام غذّى الدافع الاجتماعي ، غذّاه ولكنّه صعّده وسما به ، فقد جعل الإسلام الدافع الاجتماعي أساسه العبادة ، أساسه التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ ، وأساس الدافع الاجتماعي في الإسلام التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، فكل ما لدى المؤمن من اجتماعيّات وميول اجتماعيّة هدفها التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، إذاً الدافع الاجتماعي عند المؤمن هو الله فقد سما به وصعّده فأصبح دافعاً نبيلاً قال تعالى :
( سورة الإنسان )
أصبح دافعه دافعاً سامياً هدفه أن تأخذ بيده إلى الله ، فتلتقي مع أخيك وتقوم بدعوته وتأخذه لنزهة وتخدمه وتعاونه ، من أجل هدفٍ واحد وهو أن تأخذ بيده إلى الله ، فأين الثرى من الثريا ، أين الدافع الاجتماعي عند الكافر وأين الدافع الاجتماعي عند المؤمن ؟
شيءٌ آخر النشاط الاجتماعي عند المؤمن وفق قنوات نظيفة ، فلا يوجد اختلاط ، ولا تبادل أو تجاوز للحدود ، فالنشاط الاجتماعي أساسه القنوات النظيفة التي شرعها الله عزَّ وجلَّ ، لا يوجد كذب ، أو مجلس يسفك فيه دمٌ ، أو يُنتهك فيه عِرضٌ ، أو يُغتصبُ مالٌ فهذه المجالس محرَّم أن تجلس فيها ، فقد جعل لك كلّ النشاط الاجتماعي نظيفاً وضمن قنوات نظيفة .
شيء آخر حينما يفسد المجتمع وتنحلُّ فيه القيم وتداس فيه المبادئ عندئذٍ يأمرك الإسلام أن تعتزل هذا المجتمع ، قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه :
(( الوحدة خيرٌ من جليس السوء .))
[الحاكم والبيهقي عن أبي ذر]
إذاً قضيّة الآداب قضيّة مهمة جداً ، أي أنّ الآداب هي المظهر الصارخ للمؤمن ، فالمؤمن أديب في حركاته ، وسكناته ، وجلوسه ، وطعامه ، وشرابه ، وسائر تصرُّفاته .
Text Box: آداب العُطاس : :
الآن ندخل في آداب العُطاس :
(( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ )).
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
في رواية أخرى :
(( فليقُل هو يغفر الله لنا ولكم )).
[أبو داود والترمذيّ عن سالم بن عبيد الله الأشجعي]
كلمات : " الحمد لله " ، "يهديكم الله ويصلح بالكم " ، "غفر الله لنا ولكم " ، كلمات طيّبة جداً تبعث الأُنس والمودّة .
العاطس يقول : الحمد لله ، أو الحمد لله ربِّ العالمين ، أو الحمد لله على كلِّ حال أي أنّ العاطس عليه أن يحمد ، ويقول صاحبه : يرحمك الله ، فيجيب العاطس : يهديكم الله ويصلح بالكم ، أو يغفر الله لنا ولكم .
هنا سنذكر نقطة هامة جداً ، قيل : لا يشمّت العاطس إذا لم يحمد الله ، أي يوجد شيء اسمه تأديب ، فيوجد أدب وهناك تأديب ، فالإسلام يوجد فيه تصرُّفات واقية .
(( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ )).
[مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه]
(( عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الأخَرَ فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي . قَالَ : إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ )).
[البخاري عَنْ أنسَ رَضِي اللَّه عَنْه]
الأب أحياناً يعمل مكافأة لمن أدّى صلاة الفجر ، أو لمن قرأ القرآن ، أو يعمل مكافآت لمن حضر معه مجلس العلم ، فيقدِّم له هديّة صغيرة فإذا اعترض الآخر قال له : لقد حضر معي الدرس أو حفظ جزءاً من القرآن ، فالعطاء ينبغي أن يكون مرتبطاً بالإنجازات ، على حين الأب الجاهل يعطي ويمنع بلا سبب ، أي العطاء مِزاجي والمنع مِزاجي ، فلا يوجد قيم للعطاء والمنع ، أو يعطي لسبب يكتمه فلم نستفد من هذا العطاء ، ولكن ينبغي أن يربط العطاء والإكرام والهديّة بسبب ديني .
Text Box: كن إيجابياً فهذا أفضل أسلوب في التعامل :
سمعت عن سلفنا الصالح كانوا إذا حفظ الطالب القرآن أقاموا له احتفالاً ضخماً وقدّموا له الهدايا ، فيقدم له أثمن الأشياء ، والآن يوجد شيء من هذا القبيل .
فالابن يأتي بالمرغِّبات والمكافآت والتشجيع ، ودائماً أيُّها الأخوة أسلوب التشجيع أعظم بكثير من أسلوب التقريع ، فمثلاً الأب مع ابنه ، يمكن للابن أن يغلط آلاف الأغلاط ولكن إذا رأى الأب من ابنه موقفاً جيّداً فقال له : والله لقد سررت منك يا بني وقد كبرت في عيني كثيراً ، فخذ الموقف الجيِّد وقم بالثناء عليه تجد الطفل تشجّع وبادر إلى عمل موقف جيّد ثانٍ وثالثٍ ، فأسلوب الترغيب أفضل بكثير من أسلوب الترهيب ، أسلوب الثناء والمديح أفضل من أسلوب التقريع ، أسلوب الهديّة والمكافأة أفضل من أسلوب العقاب والتأنيب ، فدائماً كن إيجابياً .
ذكرت في إحدى المرّات أتمنّى أن أُعيده عليكم ، فالدعوة إلى الله أرقى أسلوب لها هذا الأسلوب ، لو فرضنا لدينا عشرة محلاّت تجاريّة ، وهذه المحلاّت فيها بضائع ممنوعة ، وبضائع مغشوشة ، وأسعار غير معقولة ، وأنت وزير للتموين فأرسلت الموظفين لكتابة الضبط ولقمع هذه المخالفات ، فقاموا بإغلاق المحلاّت وبختمها بالشمع الأحمر وأرسلوا أصحابها إلى السجون ، هذا الأسلوب اسمه أسلوب القمع .
هناك أسلوب آخر راقٍ جداً اسمه التدخُّل الإيجابي في السوق ، قم بفتح محلٍ بجوار المحلاّت العشرة المخالفة وقم ببيع أحسن البضاعة ومن أجود الأنواع وبأرخص الأسعار ، وبأطيب المعاملة ، فستجد كلّ الزبائن جاؤوا إلى هذا المحل للشراء منه ، وباقي المحلاَّت إذا لم يقلِّدوك سيخسرون ويفلّسون ، هذا الأسلوب اسمه أسلوب التدخُّل الإيجابي فطبقّوه على الدعوة إلى الله .
لا تنتقد أحداً ، ولا تطعن بأحد ، دع الناس وقدِّم أنت الإسلام بشكل إيجابي فقط ، كن مثالياً وطبِّق الدين تطبيقاً حقيقياً ، وادعُ إلى الله بشكل إيجابي ، من دون مهاترات ، ومن دون طعن ، ومن دون تقريع ، ومن دون تحجيم ، ومن دون غمز أو لمز ، ومن دون عدوانيّة فكل هذه الأساليب في الدّعوة لا تُجدي ، قدِّم الإسلام بالشكل الإيجابي وفي أبهى صورة ، قدِّم أجمل ما في الدين ، وانتقِ أجمل حديث واشرحه ، اشرح آية وكن مثالياً وبذلك ينتهي الأمر .
توجد أساليب كثيرة أساسها العطاء لا النقد ، فكذلك الأب أو المربّي يفلح كثيراً مع أولاده لو آثر الترغيب على الترهيب ، والمكافأة على العقوبة ، والثناء على التقريع ، فليكن المربّي إيجابياً ، حتى الرجل مع زوجته ، أليست لها ميزة واحدة ؟!!
Text Box: التعامل مع الآخرين يحتاج إلى صفة الموضوعيّة :
أحد ملوك الأندلس وهو ابن عبّاد له قصّة بالغة الشهرة ، فقد أحبّ جارية وتزوّجها وأصبحت ملكة ، وبعدما صارت حروب الطوائف وجاء ابن تاشفين من شمال إفريقيا ، وردَّ الأعداء ، ووحّد الدويلات الأندلُسيّة ، وضع ابن عبّاد في السجن وكان ملكاً فافتقر ، وكانت زوجته التي كانت جارية من قبل أن يتزوّجها وتصبح ملكة قد حنّت لحياتها الفقيرة ، فطلبت منه طيناً لتمشي عليه وتخوض فيه ، فعجن لها المسك والكافور وقت أن كان في عزّه وقال لها : دوسي في هذا الطين ، هذا هو الطين ، ولما افتقر أعرضت عنه وأهملت شأنه ، فتألّم ، وفي ذات مرّة قالت له : لم أر منك خيراً قط ، فقال لها : ولا يوم الطين ؟!!
أحياناً تقول الزوجة لزوجها : لم أر منك يوماً طيباً أو أبيضَ ، فيقول لها : ولا يوم ؟!! هذا كلام فيه مبالغة ، يجب أن يكون الإنسان واقعياً ، فأساساً التعامل مع الآخرين يحتاج إلى صفة الموضوعيّة ، فلا تُلغِ ميزات الآخرين فتكون غير واقعي وتكون ملحفاً وظالماً ، العوام وحدهم ليست عندهم حالة وسط ، ليس عندهم سوى لونين الأبيض والأسود ، فإذا أحبّوا بالغوا ، وإذا كرهوا عادوا ، أما المؤمن فوسطيّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :
(( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .))
[الترمذي وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة]
يطلق الناس على ذلك : شعرة معاوية " ، فقد كان شديد الذكاء ، فقد وردته رسالة من عبد الله بن الزبير يقول له فيها : أما بعد فيا معاوية إنّ رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام . ـ من يخاطب ؟ يخاطب أمير المؤمنين دون ألقاب وهو أحد أفراد الرعية ـ وكان ابنه يزيد بجواره فقال له : اقرأ . فلما قرأ غضب . فقال له سيّدنا معاوية : ما ترى يا يزيد ؟ فقال : أرى أن ترسل له جيشاً أوّله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه . فقال له : غيرُ ذلك أفضل يا بني ، فكتب : أما بعد ، لقد وقفت على كتاب ولد حواريِّ رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كُلُّها هيِّنة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض وما فيها . فأتى الجواب : أما بعد ، فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلَّك من قومك هذا المحل . فقال لابنه يزيد : يا بني ، من عفا ساد ، ومن حَلُم عظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .
Text Box: على الإنسان أن يكون منصفاً :
أنت أحبب حبيبك هوناً ما ، فمثلاً تجد أحد الأشخاص يأتي لخطبة فتاة فأسمع عنه مديحاً من أسرة الفتاة عن صفاته وكأنّه ولي وعارف بالله ، وشديد الفهم ، وورع ، وبهذا المديح أصبح قطباً للأقطاب ، وبعد ذلك يترك ابنتهم فيقولوا عنه إنّه لا يصلّي ، وماله من حرام ، وأهله ليسوا على ما يرام ، وهو مصروع ويصاب بالإغماء ، أصبحت كل العيوب فيه مرّة واحدة ، فلا تجد حلاً وسطاً بالمرّة ، فهل إذا أحببت انكببت عليه بكلياتك ، وإذا أبغضت عاديته عداءً شديداً نعوذ بالله من ذلك ، لذلك :
(( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .))
[الترمذي وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة]
كن موضوعياً ، أيها الأخوة الكرام يقع بين اللونين الأبيض والأسود أكثر من مئة لون رمادي ، فالنبي الكريم رأى صهره زوج ابنته أسيراً في صفوف المشركين ، جاء ليحاربه ، فكان يجب أن يقتله ، فما تعني كلمة محارب ؟ أي جاء ليقتل ، فماذا قال النبي عن صهره ؟
(( سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْراً لَهُ قَالَ : وَعَدَنِي فَوَفَى لِي )).
[البخاري عَنْ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
أي كان صهراً ممتازاً ، وهو مشرك وجاء ليحارب ، ووقع أسيراً ، فيمكن كلمة : ما ذممناه صهراً أمالت له قلبه ، ويمكن أن تكون هذه الكلمة سبب إسلامه ، وقد أسلم بعد ذلك فهل الإنصاف قليل ؟ هذا مشرك جالس مـع الأسرى وجاء ليقتل ولم ينسَ النبي فضائله أنّه كان صهراً ممتازاً ، وكان زوجاً رائعاً .
كن منصفاً ، قد تجد موظفاً تحت إمرة رئيس دائرة من الدوائر وتأخر قليلاً فينهره قائلاً : اليوم تأخرت عن العمل . أليس لهذا الموظّف ميزة ، فقط يتكلّم عن نواقصه ، فهذا المدير العام الذي يتتبع نواقص الموظفين ويتغافل عن ميّزاتهم من أسوأ المديرين .
جَاءَ أَبَا بَكْرَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ رَاكِعٌ ، فَرَكَــعَ دُونَ الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْــهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ :
(( أَيُّكُمِ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَـى الصَّفِّ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ : أَنَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ )).
[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]
هذا هو الأدب النبوي ، فلماذا ركض ؟ لحرصه على الصلاة خلف رسول الله ولحرصه على العبادة ، إذاً يثنى عليه .
Text Box: إدارة الناس فن : :
إذا كنت ربَّ أسرة ، أو مدير مدرسة ، أو مديراً لدائرة ، أو مديراً لمشفى ، أو معمل ، وترأس عدداً من الموظّفين ، فإيّاك أن تتغافل عن ميّزاتهم ، فإذا أردت أن تحاسب إنساناً أو تلفت نظره لشيء أو توجّهه فقد يأتي كلّ يوم متأخّراً . فقل له : أنا معجب بأمانتك وإخلاصك ولكن هناك تأخر منك ، أصبح هناك توازُن فقد عرِفت ميّزاته وحاولت أن تصلح له عيوبه ، كذلك الأب مع أولاده ، يكون الابن له عدّة مميزات وله عدّة نقائص ، فيظلّ الأب دائماً مركّزاً على النقائص ، بعد ذلك تجد الابن ضجراً ويقول : أليست لي ولو ميزة واحدة ؟!! فدائماً ذكِّر أولادك بميّزاتهم وقل لابنك : أنا معجب يا بني باستقامتك ، أو معجب باجتهادك ، أو أنا مسرور لطاعتك لوالدتك ، فدائماً ذكِّر ابنك بميزاته حتى يميل لك ، فلا تحاول انتقاده إلا بعد أن تذكِّره بميزاته فهذه من أروع وسائل التربية ، وستجد هذا الابن قد لان ، ويقول في نفسه : معنى ذلك أن أبي يعرف مميّزاتي ، ولم يضع تعبي معه ، فيعرف محبّتي وإخلاصي ولكن هناك تقصير ، فهذه يا بني يجب أن لا تفعلها .
هكذا المعلِّم ، والطبيب مع من حوله ، إذا كان مديراً لمشفى ، أو كان مسؤولاً عمن حوله ، فقد قال النبيّ الكريم :
(( .. زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ )).
[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]
ذكرت لكم عن كتاب أُلِّف في أمريكا عنوانه " كيف تؤثِّر في الآخرين وتكسب الأصدقاء " ، للمؤلِّف دايل كارينجي ، وطبع منه خمسة ملايين نسخة ، وهو من أوسع الكتب انتشاراً ، فقام عالم كبير من الأزهر من مصر وأخذ كل القواعد المذكورة في الكتاب وقام بتخريجها على آيات وأحاديث ، أي أنّ كلّ هذه القواعد الذي استنبطها المؤلِّف بذكائه وتجربته هي أصول إسلاميّة .
أذكر هذا المثل لكم وهو مذكور في الكتاب أنَّه لا يحقُّ للمدير العام أن ينتقد موظّفاً قبل أن يثني على فضائله ، فجاء العالم الأزهري بالحديث الشريف :
(( .. زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ )).
[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]
الحقيقة أيها الأخوة الكرام إنّ إدارة الناس فن ، فقد تكون مديراً لمعمل وناجحاً في إدارتك ولكنّك غير ناجح في أسرتك ، فالنجاح في الأسرة شيء هام جداً ، فإدارة الأسرة فن ، وإدارة مؤسسة فن ، وإدارة الدوائر الحكوميّة فن ، وأن تكون مديراً عاماً محبوباً ومرغوباً في الوقت نفسه لا بدَّ لها من الجهد والخبرات ، ومن الأساليب التربوية .
Text Box: لن يسعد الإنسان إلا إذا رأى ابنه كما يريد :
تحدثنا عن تربية الأولاد ، وقلنا إنه يجب أن تعرف ميزات ابنك وأن تنمّيها له وبعد ذلك قم بمحاسبته ، بعض الآباء يقولون : هذا شيء طبيعي أن يكون الابن أميناً ، لا ليس طبيعياً أن يكون أميناً ، فابنك أمين لم يأخذ قرشاً واحداً من دون إذنك فأثنِ على أمانته وأشعره بأنّك تعرف أنّه أمين ، وامنحه الثقة بنفسه ، فدائماً العظماء يمنحون الثقة للناس .
لكن من لديهم قيادة مركزيّة ، ليس لديهم ثقة بأحد فلا ينجحون في إدارتهم ، فكل شيء بداخله ، فإذا قلت لابنك : أوصل هذا المبلغ لفلان من الناس وقد يكون مبلغاً كبيراً ، وأنت قد غامرت بذلك لكن عندما يوصله يشعر بنشوة لوثوقك به ، وأنّك واثق من أمانته وحرصه وحكمته ، فأرجو أن يلهمنا الله سبحانه وتعالى الصواب .
إذا نجحنا في تربية أولادنا فهذا شيء عظيم جداً ، فقد كنت منذ يومين مع بعض الأخوة وتكلّمت بكلمة دقيقة فقلت : لو وصل الإنسان إلى أعلى درجات النجاح المادي وكان ابنه شقياً فهو لن يسعد أبداً وسيشقى بشقائه .
سمعت عن شاب في مصر عمره دون الأربعين عاماً يملك مبلغاً من المال يحتفظ به في المصرف ويبلغ أربعة آلاف مليون دولار ، وهو أغنى رجل في مصر ، ولكن حتى لو وصل إنسان إلى هذا المستوى من الثروة ، أو في المرتبة الثانية حصل على أعلى شهادة في العالم كالبورد في الطب بأمريكا ، والأكريجيه بفرنسا ، أف . آر . إس ، بانكلترا وهي أعلى الشهادات ، أو في المرتبة الثالثة حققت كلّ أهدافك الماديّة وكان ابنك شقياً فو الله تشقى أنت بشقائه ، فلا تسعد ولن تسعد إلا إذا رأيت ابنك كما تريد ، فانظر ما أعظم القرآن الكريم عندما ذكر دعاء المؤمنين :
( سورة الفرقان )
أي إذا كان ابنك منضبطاً بالشرع ، يصلّي ، ولا يكذب مثلاً ، وكان باراً بك فهذا شيء جميل جداً ، فتنام قرير العين ، وتعرف كلّ رفاقه ، فليس له رفيق سيئ الخلق ، أو معصية ارتكبها ، فهذا من نعم الله العظمى .
Text Box: الأولاد أمانة في أعناق آبائهم :
أيُها الأخوة الكرام اجتهدوا في تربية أولادكم فالمكسب معكم كمن يضع ماله في خزانة ، فلا تقل لم يتبقَ لي شيء ، ففي أية لحظة تجد مالك محفوظاً ، أو من عنده خزانة من الحديد ووضع فيها رزماً من المال ، ويقول لك لا يوجد معنا شيء من المال فقد افتقرنا ، لا لم تفتقر فخزانتك مليئة ومعك مفتاحها ، وهذا كلّه ملكك ، وكل إنسان يربّي ابنه فهذه التربية استثمار له ، أحياناً أقوم بزيارة أحد أخواننا في محله التجاري فأجد ابنه ملء السمع والبصر ، وهذا الأخ يذهب للمحل في الساعة الثانية عشرة ويعود للبيت الساعة الثانية ظهراً ، وابنه في المحل من الساعة الثامنة صباحاً حتى آخر الدوام .
أعرف أخاً عنده محل للأقمشة ، وفقه الله بابن أمين إلى أقصى درجة ومنضبط ويدرس الحقوق في الجامعة وله ميول أدبيّة وقائم بأعمال المحل ، بنهاية الأمر لن تجد مثل ابنك ليحل محلّك وهذا الكلام لكل أصحاب المصالح ، فمن يملك محلاً تجارياً عليه بتربية ابنه وتعليمه وأن يأتي به للعمل عنده ، فالعلم لا يطعم خبزاً الآن ولكنّه ضروري .
كان عندي طالب حصل على مئتين وأربعين علامة في البكالوريا فسألته : هل دخلت كليّة الطب ؟ فقال لي : لا بل زراعة ، فسألته : لماذا ؟ فقال لي : لا أريد الطب فأبي يملك أراضي زراعيّة فمن يقوم بها غيري ، وأنا أولى الناس في رعايتها واستثمارها وزارعتها ، لم أجد أعقل منه ، فهو حاصل على مجموع كبير يؤهِّله لدخول الطب ، والطب طريقه طويل جداً ، ولكنّه رأى أن عمله مع والده بالأرض أفضل .
يجب أيها الأخوة الكرام أن تخططوا لأبنائكم ، فيعاونك في مشروعاتك وعملك ، فالإنسان يجب أن يأخذ ابنه جزءاً كبيراً من اهتماماته ، وأن يفكر بتزويجه ولو في بيت صغير ، وأن يعينه ، لأنّ الأولاد أمانة في رقبة آبائهم .
كلمة أقولها دائماً لو ربى الإنسان أولاده تربية عالية وقام بتزويجهم واطمأنَّ عليهم ووضع رأسه ثمَّ مات فهو بهذا العمل سيدخل الجنّة ، أحياناً تجد أماً صالحة ربّت خمس بنات على الحياء والأدب والخلق والصلاة ، وزوّجتهم من أصهار ممتازين ، واعتنت بهم ، وكلّما ولدت بنت منهنّ مكثت عندها أسبوعاً لخدمتها ومعاونتها وتوجيهها ، وبعد ذلك توفاها الله فهذه تذهب للجنة فقد قامت بمهمتها أعلى قيام ، حتى لو لم يكن للإنسان أي عمل صالح فأسرته عمل صالح ، إذا رعى أولاده وربّاهم تربيةً صحيحة وأنشأهم تربيةً إسلاميّة وزوّج أولاده ذكوراً وإناثاً فقد أدّى رسالته ، وكأنّ الجنّة أصبحت مفتّحةً له ، فهذا ليس كلامي أيّها الأخوة بل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال :
(( من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما حتى يزوجهما أو يموت عنهما فأنا كفيله في الجنّة . فقال له أحدهم : ومن كان عنده بنت واحدة ؟ فقال له : وبنتاً .))
[ورد في الأثر]
Text Box: بعض آداب العطاس والتثاؤب :
من السنّة عند العطاس وضع منديل على الفم والتخفيض من الصوت ما أمكن :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَه ُ)).
[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
الثوب لخروج رذاذٍ من الفم ، أو إذا كان بالفم أكل يشمئز الناس من ذلك ، أو كان هناك إبريق من الماء أو صحن من الطعام ، أو صحن فواكه ، فيضع الإنسان يده والأولى أن يضع ثوبه أو منديلاً على فمه أثناء العطاس هكذا علمنا النبيّ صلى الله عليه وسلم .
(( التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ ُ)).
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
التثاؤب مع صوت شيء لا يحتمل إطلاقاً ، أحياناً يكون في الصلاة ويفتح فمه ويتثاءب بصوت عالٍ لا يحتمل إطلاقاً وهو أمر قبيح للغاية وكما قال تعالى في كتابه العزيز :
( سورة لقمان )
التثاؤب يجب أن يكون من دون صوت ، صورة من غير صوت ويداً من فوقها ، أما أن تحدث صوتاً عالياً فهذه مشكلة في التثاؤب ، وكذلك مشكلة من عنده زكام ويعطس كثيراً .
(( أَنَّ رَجُلا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . ثُمَّ عَطَسَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّجُلُ مَزْكُومٌ ُ)).
[أبي داود عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه]
أحياناً يحرج الأخ ، فإذا عطس مرة يقولون له : يرحمك الله ، ويعطس ثانيةً وثالثة ويقولون له : يرحمك الله ، فليتمهلوا قليلاً عليه فهو مزكوم ومتضايق منها كثيراً .
مثل من يشرب كأساً من الماء ويكون معه أشخاص كثيرون والكل يقولون له : هنيئاً ، هنيئاً ، هنيئاً ، فأراد أن يشرب مرّة أخرى فخرج بعيداً عنهم ورجع فقالوا له : شفيتم ، شفيتم ، شفيتم .
Text Box: المرأةُ الشّابة الأجنبيّة لا تُشمّت : :
هذه البروتوكولات إذا زادت عن الحد أصبحت مشكلة ، فإذا لاحظت أنّ أخاك مزكوم فقل له مرّة واحدة وانتهى الأمر ، أما أن تشمِّته في كلَّ مرّة فهذا غير معقول .
(( يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلاثاً فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ ُ)).
[ابن ماجة عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنه]
لو كان أخوك مصاباً بالزكام وعطس ففي المرة الثالثة قل له : يرحمك الله ، ثم اسكت ، أو إذا كان بينهم فاصل زمنيّ فليُشمَّت مرَّةً واحدة فقط .
(( كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ ، فَيَقُولُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ )).
[الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه]
كان صلّى الله عليه وسلّم فطناً فهذه ليست بعطسة ولكنها تعاطس من أجل أن يقول لهم يرحمكم الله وهو نبيُّ هذه الأمّة ، فيقول لهم : يهديكم الله .
أخواننا الكرام المرأةُ الشّابة الأجنبيّة لا تُشمّت ، فإذا كنت في دائرة حكوميّة وعطست امرأة فلا تقل لها يرحمك الله فهذا غير وارد على الإطلاق ، فهذا جهل بالفقه ، فقد قال ابن الجوزي : روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنّه كان عنده رجل من العُبّاد ، فعطست امرأة ، فقال لها العابد : يرحمك الله ، فقال الإمام أحمد : عابدٌ جاهل ، يقصد بأنّه جاهل بكراهية تشميت المرأة الأجنبيّة كراهة تحريميّة ، فامرأة شابّة وعطست فليس لك أيّة علاقة بها على الإطلاق هذا عن العُطاس .
Text Box: الله تعالى يحب العطاس لأنه ينشط الإنسان ويكره التثاؤب لأنه دليل تعب وملل :
أما التثاؤب :
(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْـرَهُ التَّثـَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ )).
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
التثاؤب دليل تعب ودليل ملل ، أما العطاس فينشِّط الإنسان ، فيصحو من نعاسه وتعبه ، أنت تقول له : يرحمك الله ، أما العوام فيقولون : صحّة ، فما هذه الكلمة ؟ ليس لها أيّ معنى ، فالأم الجاهلة تقولها لولدها ، ولكن لو قالت له : يرحمك الله ، فهذا شيء جميل جداً أن نتكلّم بكلمات المسلمين .
أحدهم عمل أُحجية فقال : عندما كان النبي الكريم يتثاءب هل كان يضع يده اليمنى أم اليسرى ؟ فأجابه الآخر : لم يمر علي ذلك ، أي اليدين يضع ؟ فقال له : النبيّ لم يتثاءب قط ، اللهمّ صلِّ عليه ، ما تثاءب النبيّ قط ، وقد قال العلماء : إذا غلب على الإنسان التثاؤب فليذكر أنّ النبي ما تثاءب ، وإذا ذكر ذلك يذهب عنه التثاؤب ، كما قال العلماء : لو تثاءبت في الصلاة ضع يدك على فمك أثناء الصلاة .
(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلا يَقُلْ : هَاهْ هاهْ فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ )).
[أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]
الفائدة التي قلتها قبل قليل : مما يروى عن السلف أنّه من ملكه التثاؤب وتخيّل بذاكرته أنّه عليه الصلاة والسلام لم يتثاءب قط يذهب عنه التثاؤب بإذن الله ، وهذا هو علاج التثاؤب .
Text Box: بعض أحاديث من السُّنة النبوية عن آفات اللسان :
بإنهاء موضوع العُطاس والتثاؤب تنتهي الآداب التي ينبغي أن تُلقِنها أبنائك وطلاَّبك ـ إن كنت معلِّماً ـ وهي أساسيّةً جداً في تربية الأولاد ، وننهي هذا الدرس بحديثٍ سريعٍ عن آفات اللسان كما وردت في كتاب "منهج القاصدين " وهو ملخَّص " إحياء علوم الدين " ، فقد شعرت أنّ هذا الموضوع لا يكفي لدرس فقمت بترميمه بموضوع آخر واخترته لكم من هذا الكتاب .
الإمام الغزالي يقول :" آفاتُ اللسان كثيرة متنوِّعة ولها في القلب حلاوة ، ولها بواعث من الطبع ، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت ".
الآفات لها حلاوة ، وأقول لكم دائماً إنّ التكليف مخالف للطبع ، فمن الأشياء الممتعة أن تتحدَّثوا عن أشخاص وعن أعمالهم ومشاكلهم وفضائحهم ، ولماذا طلّق زوجته ولماذا لم يطلِّقها وكيف ضبطها ؟ فالإنسان لديه رغبة في أن يستمع إلى القصص ، فعندما يجلس الإنسان في المجلس ويكون فيه غيبة أو نميمة فهي ممتعة جداً ، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت .
لنذكر أولاً فضيلة الصمت ، تجد المؤمن صامتاً ليس صمتاً ينمَّ عن البلاهة ، تجد شخصاً صامتاً لأنّه لم يفهم شيئاً من الحديث ، ولكن صمت المؤمن صمت انضباط ، وسكوت عبادة ، فإذا كان هناك موضوع فيه غيبة فلا يتكلَّم بكلمة واحدة وهذا الصمت يربك المجلس ، فألاحظ عندما يتكلَّم شخص على أحد الأشخاص ولم تتجاوب معه ولم تقل له أكمل الكلام أو معقول فعل ذلك فلان ؟ ولكن إذا بقيت صامتاً ، فهذا السكوت من دون أي تعبير إطلاقاً يحرجه ، ومعنى ذلك أنّه قد عرف ذنبه فيقوم بتغيير الحديث أو يسكت ، فالصمت في مثل تلك الموضوعات فضيلة والحديث النبوي الشريف :
((من يضمن لي ما بين لحييه ـ أي لسانه ـ وما بين رجليه أضمن له الجنّة .))
[البخاري عن سهل بن سعد]
معنى ذلك أنّ الإنسان يؤتى من آفات اللسان ، ومن آفات الفرج ، الحديث الآخر أرويه لكم كثيراً :
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )).
[أحمد والبيهقي عن أنس بن مالك]
هذا حديث أساسي ، وعندما سأل سيِّدنا معاذ سؤالاً غريباً :
(( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ .... ثُمَّ قَالَ النبي : أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ . فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )).
[الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه]
اللسان وحده يكفي لدخول النار ، والحديث الآخر :
(( من كفَّ لسانه ستر الله عورته )).
[ابن أبى الدنيا عن ابن عمر]
(( ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان )).
[رواه الطبراني عَنْ عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه]
أبو الدرداء يقول :" أنصت أُذُنيك من فيك ، فإنّما جُعُلت لك أُذنان وفمٌ واحد ، لتستمع أكثر مما تتكلّم ".
عوّد النفس أن تأخذ ولا تعطي ، فالأذكياء يستمعون ولا يتكلّمون ، ومن كثُر كلامه كثُر خطؤه .
Text Box: من آفات اللسان :
1ـ الكلام فيما لا يعنيك :
أول آفة أيّها الأخوة الكلام فيما لا يعنيك .
(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .))
[الترمذي عن أبي هريرة]
2ـ الخوض في الباطل :
الآفة الثانية الخوض في الباطل ، فإذا كان الحديث عن المعاصي ، والمقاصف ، والحفلات ، والأفلام ، والسهرات ، والأعراس ، وعن الموبقات ، فإذا تكلَّمت عن هؤلاء فهذه آفة كبيرة للسان ، وسأذكر لكم الآفات باختصار شديد ففي الأصل حول كل آفة عدد كبير من الصفحات .
الآفة الأولى : أن تخوض فيما لا يعنيك ، والآفة الثانية : أن تخوض في الباطل .
(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللـَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )).
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنه]
أي كلمة واحدة .
3ـ التقَعُّر في الكلام والتشدُّق وتكلُّف السجع :
الآفة الثالثة : التقَعُّر في الكلام والتشدُّق وتكلُّف السجع ، وقد تكلمنا سابقاً عن التقعُّر ، فليس من الآداب النبويّة التكلُّف والتقعُّر والفيهقة .
4ـ الفحش والسبُّ والبذاءة :
الآفة الرابعة : الفحش والسبُّ والبذاءة .
(( إيّاكم والفُحش فإنَّ الله لا يُحبُّ الفُحش ولا التفحش )).
[ الطيالسي وأحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.]
لا يمكن أن يكون مؤمن فاحشاً ، يقول لك : عشت معه ثلاثين سنة ولم أسمع كلمة تجرح الشعور أو تُخجل أبداً ، فممكن أن تعبِّر عن كل المعاني المشكلة بعبارات لطيفة ومهذّبة فالله تعالى أعاننا على البيان ، فالقرآن يعلّمك ، فهل ذكر القرآن وتكلَّم عن اللواط ؟ نعم فقد قال تعالى :
( سورة المعارج )
هذا هو الدليل أو كما قال :
( سورة النساء)
كلام لا يجرح ولا يحرج ، في بعض كتب الفقه تجد فيها الكثير من الألفاظ المحرجة ، وعندما تُدرَّس لطلاَّب صغار أو لبنات يحدث إحراج كبير ، فيها المسميات بأسمائها ، ولكن القرآن الكريم والنبي كنّى والكناية من علامات الذوق الرفيع وكذلك البلاغة .
(( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ )).
[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ]
5ـ الغناء :
الآفة الخامسة : الغناء ، وهي من آفات اللسان ، فالغناء والقرآن لا يجتمعان أبداً :
(( الغناء ينبت النفاق )).
[ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود]
6ـ المزاح :
الآفة السادسة : المزاح ، أما اليسير منه إذا كان صادقاً فلا شيء عليه ، وهو بعكس ذلك ضروريّ ، فالنبي كان يمزح ، كن مرحاً ، وكن متفائلاً ، ولطيفاً ، واجعل الجو جواً ممتعاً ، فيوجد جو كهنوت وآخر رحموت ، الرحموت مليء بالرحمة والأُنس ، والكهنوت فيه قسوة .
7ـ السخرية والاستهزاء :
الآفة السابعة : السخرية والاستهزاء ، فالسخرية والاحتقار الاستهانة ، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك ، قالت للنبي الكريم : قصيرة ، فقال لها :
(( لقد قُلتِ كلمةً لو مزجت في مياه البحر لمزجته .))
[أبو داود عن عائشة رَضِي اللَّه عَنْها]
فإيّاك أن تعير مخلوقاً ، لأن من عيّرَ أخاه ابتلاه الله .
8ـ إفشاء السّر والكذب في القول واليمين :
الآفة الثامنة : إفشاء السّر ، والكذب في القول واليمين .
9ـ الغيبة :
الآفة التاسعة : الغيبة :
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ :... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ...))
[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَ]
الأعراض : يعتقد بعض الناس أنّها النساء ، ولكنّها هي موضع المدح والذّم من الإنسان أي سمعتك ، فهذا هو عرضك ، فكلمة عرض لا تعني امرأة ، الإنسان له جانب اجتماعي وجانب معنوي ، فإذا اعتديت على سمعته واتهمته بعدم الفهم مثلاً أو بعدم النظافة ، أو قلت عنه إنّه حرامي دون أن تتأكّد من ذلك فماذا فعلت بقولك ؟ فقد اعتديت على عرضه ، أي على سمعته .
(( صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ولا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنـَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ )).
[الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنه]
هذا الحديث يقصم الظهر ، فضحه الله في بيته ، فالله ستّار .
Text Box: الله ستار يحب الستر : :
ذكرت لكم قصّة عن رجل تزوّج وبعد مدة قصيرة وجد امرأته حاملاً في خمسة أشهر ، ومعنى ذلك أن الحمل ليس من صلبه ، وكان خطيب المسجد الذي يصلّي فيه هذا الرجل قد رأى رسول الله في المنام وهو يقول له : قل لجارك فلان أنّه رفيقي في الجنّة ، فما هذه البشارة ؟ فطرق باب جاره وكان سمّاناً ، فقال له : عندي لك بشارة من رسول الله واستحلفه بالله ماذا فعلت ؟ فقال له : والله لقد تزوّجت امرأة وكانت في الشهر الخامس من حملها ، وكان بإمكاني فضحها أو سحقها أو أن أطلقها أو أركلها برجلي إلى الطريق ، ولكنني شعرت بأنني يمكنني أن أجعلها تتوب فأحضر لها قابلة في البيت لتوليدها ، وحمل الطفل وذهب به إلى جامع الورد وعندما كان الإمام يصلّي وضعه خلف الباب ، وبعد ما انتهت الصلاة بكى الولد وتجمّع من حوله الناس وكأنّه ليس له علاقة به فقال : خيراً ماذا هناك ؟ فقالوا له : انظر هذا طفل ، فقال لهم : أعطوه لي فسأكفله ، وكفله أمام الحي ، وسترها وربّاها وحفظها وتركها عنده ، فالله ستار ، كثير الستر .
سيّدنا عمر سئل ذات مرّة ، وقال السائل : لي أخت قد زنت مع شخصٍ وأُقيم عليها الحد وهو الجلد ، وتابت توبة نصوح وحسن إسلامها ، وقد جاءها الآن خاطب ، أأذكر له ما كان منها ؟ فقال له : والله لو ذكرتَ له ما كان منها لقتلتك ، لشدة تأثّر سيّدنا عمر .
Text Box: لا تحمروا الوجوه :
الإنسان إذا تاب وتعرف عنه أنّ له قصّة سيّئة فلا تذكِّره بها أليس عندك أدب ؟ فقد تغيَّر وتبدَّل وتاب وارتقى ونسي ذلك العمل ، وما زال يذكِّره بها ، فتعلّموا من سيِّدنا يوسف عليه السلام عندما قال :
( سورة يوسف )
أخوته أمامه ، فأي شيء أخطر السجن أم البئر ؟ البئر أخطر ، إذاً لماذا لم يقل : الجب ـ أي البئر ـ ؟ أليست نعمة الله عليه هي التي أنقذته من البئر ؟ قال : لئلا يُذكِّر أخوته بجريمتهم ، فتجاوز البئر ولم يذكره وقال :
( سورة يوسف )
لئلا يحرج أخوته ولئلا يُحمِّر وجوههم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لا تُحمِّروا الوجوه .))
[ورد في الأثر]
هذه هي الغيبة .
Text Box: شدة الغيبة وخطورتها :
في حديث آخر :
(( إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا إن الرجل قد يزنى ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه .))
[ابن أبي الدنيا عن جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما]
انتبهوا يا أيها الأخوة ، فإذا كنت قد اغتبت أحداً فاطلب منه السماح وقل له : أنا اغتبتك وقد تبت ، فإذا لم يسامحك ، يجب في المجلس نفسه الذي اغتبته فيه أن تعترف بخطئك وتقول : لقد تكلّمت عن فلان بكذا وكان كلامي غلطاً .
إذا كنتم تصدّقون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر عن يوم القيامة ، ففي يوم القيامة يؤخذ من المغتاب لمن اغتابه كلّ حسناته ، فإذا فنيت حسناته ولم يستوفِ حقّه أعطاه كُلّ سيّئاته .
رجل اغتابه أحد الأشخاص فذهب إلى السوق واشترى رطباً من أغلى وأفخم الأنواع ـ بعض الأنواع ثمنه يربو عن ألف ليرة ـ وقدّمه لمن اغتابه ، فقال له : لم هذا ؟! فقال له : لأنني سوف آخذ منك يوم القيامة أجمل ما عندك من حسنات ، وأنا أحببت أن أعطيك أحسن ما عندي ، فخذ طبق التمر .
موضوع الغيبة موضوع خطير فقبل أن تغتاب عدّ للمليون ، فإذا اغتبت سُجِّلت عليك ولن يغفر الله لك إلا إذا غفر لك صاحب الغيبة ، يقول علي بن الحسين : " إيّاك والغيبة فإنّها إدام كلاب الناس ".
والحمد لله رب العالمين