قدمتمارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية في سنة سبع من الهجرة. وذكر المفسرونأن اسمها مارية بنت شمعون القبطية، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى اللهعليه و سلم وبين المشركين في مكة، بدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام ، وكتب الرسول- صلى الله عليه وسلم - كتبا إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، واهتم بذلكاهتماماً كبيراً، فاختار من أصحابه من لهم معرفة و خبرة، وأرسلهم إلى الملوك، ومنبين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرويز ملك فارس، المقوقس ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة. تلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوا رداً جميلا، ما عدا كسرى.ملك فارس، الذي مزق الكتاب.
لما أرسل الرسولكتاباً إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، أرسلهمع حاطب بن أبي بلتعة، وكان معروفاً بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ حاطب كتابالرسول صلى الله عليه و سلم إلى مصر وبعد ان دخل على المقوقس الذي رحب به. واخذيستمع إلى كلمات حاطب، فقال له " يا هذا، إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هوخير منه".
واُعجبالمقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لايأمر بزهودٍ فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب،ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء و الأخبار بالنجوى وسأنظر"
أخذ المقوقسكتاب النبي صلى الله عليه و سلم وختم عليه، وكتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم
" بسمالله الرحمن الرحيم
لمحمد بنعبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد
فقد قرأتكتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي،
وكنت أظن أنهسيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما
مكان في القبطعظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".
وكانت الهديةجاريتين هما: مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين. وفي طريق عودة حاطب إلىالمدينة، عرض على ماريه وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام.
وفي المدينة،أختار الرسول صلى الله عليه و سلم مارية لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبيرحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. كانت ماريه رضي الله عنها بيضاء جميلةالطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس عائشة رضي الله عنها، فكانت تراقب مظاهراهتمام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها. وقالت عائشة رضي الله عنها:" ماغرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة-أو دعجة-فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍلحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعتفحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا" .
ولادةمارية لإبراهيم
وبعد مرور عامعلى قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قدقارب الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمـة الزهراء رضوان الله عليها. ولدتمـارية في "شهر ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة"،طفلاً جميلاً يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سماه إبراهيم، " تيمناًبأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام" وبهذه الولادة أصبحت مـارية حرة .
وعاش إبراهيمابن الرسول صلى الله عليه و سلم سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله صلى اللهعليه و سلم ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيموهو ابن ثمانية عشر شهراً، " وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيعالأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية حزناً شديداً علىموت إبراهيم.
مكانةمارية في القرآن الكريم
لمـارية رضيالله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية. "أنزلالله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاءوالمحدثون والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم". وقد توفي الرسول عنها صلى اللهعليه و سلم وهو راض عن مـارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر، وعدت من أهله،وكانت مـارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول صلى الله علية وسلم، كما عرفتبدينها وورعها وعبادتها.
وفاةمارية
عاشت مـاريةما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في السنة السادسة عشر منمحرم. دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها . فاجتمع عدد كبير من الصحابة منالهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، وصلى عليها سيدنا عمر رضي اللهعنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم.